أنا ثمرة يانعة من ثمار هذا البلد الطيب
نار الغيرة أدخلتني رحاب القرآن
يتلو القرآن بخشوع يلامس شغاف القلب، وهو الذي فتح عينيه في مدينة تتنفس عذب الكلام، ويتردد صدى الذكر الحكيم في زوايا حاراتها العتيقة.. وضع القرآن تاجا على رأسه، فكان له سراجا وهّاجا أنار له طريقه وأرخى عليه سكينة ربانية، فاتخذه هدفا في الحياة.. هو عبد الفتاح حميداتو، فارس من فرسان القرآن..
استوقفناه لنتقاسم وإياه تفاصيل رحلته في حفظ وتلاوة الذكر الحكيم.
لا يمكن أن ننسى الدموع التي انحدرت من مقلتيه مدرارا وهو يرتّل آيات من الفرقان في البرايم الثالث، فخدّر حواس الحضور وأبكتهم نبرات صوته الساحر الباعث على الخشوع في رحاب الله، وليس غريبا هذا عن من ولد في مدينة وادي سوف، مدينة اشتهرت بحفظ القرآن وترتيله.
بجوار المسجد كان الميلاد
ولد عبد الفتاح بكر عائلة تتكون من خمسة ذكور وثلاث بنات، في مدينة الألف قبة وقبة بحي النخلة، قبالة المسجد، بيت الله، في محيط محافظ، تقابلك زاوية أينما وليت وجهك، لكن الفتى اليانع لم يخط خطواته الأولى في حفظ كلام الله مبكرا، فكان على غرار أقرانه في سن الصبا يميل إلى اللهو ومداعبة الكرة بقدميه وقلبه يحدّثه بشوق جياش لترك اللهو جانبا والالتفات إلى المسجد الذي وقعت بجواره شهادة ميلاده ''صحيح أنني لم أتجه لحفظ القرآن في سن مبكرة، إلا أنني كنت أنجدب لجوّ الترتيل، لأنني تربيت في جوّ روحاني كان فيه القرآن القلب النابض'' يقول عبد الفتاح.
الغيرة تدخله
رحاب القرآن
يبتسم وهو يتذكر احتضانه لكتاب الله وخطوته الأولى في حفظه ''قد لا تصدقين إن قلت أنني حفظت كلام الله بدافع الغيرة.. نعم هذا ما حدث، عندي عم يقاربني في السن، وكان بمثابة صديق بالنسبة لي وليس عم فقط، وكان يحفظ عدة أحزاب من القرآن، مما حرّك الغيرة في قلبي وأجّجها، فتساءلت بيني وبين نفسي لماذا يحفظ هو القرآن وأنا لا، هل هو أحسن مني.. ولم أتأخر بعد هذه الحادثة لأحمل اللوحة وأنطلق في الحفظ''.
واتخذ الفتى عبد الفتاح الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه، ربيعا لقلبه وهو في السادسة عشرة من عمره، سن المراهقة وعنوان الفصل بين الطيش والحكمة، وعلى طريقة القدماء أخذ عبد الفتاح في حفظ الكتاب المنزّل.
واتخذ عبد الفتاح مكانا في مسجد النخلة وأمسك اللوحة المعطرة بعبق الصلصال، ليرسم حروفا وكلمات منزّهة عن الخطأ ''لم أحفظ من المصحف كما يفعل الكثيرون، بل كان السماع من الشيخ ''شويرسات عمر'' معلمي، والكتابة على اللوحة الطريقة الفعالة والناجحة لحفظ القرآن''. وبين جدران المسجد العتيق، تفجّرت ملكة الحفظ عند عبد الفتاح وأبدى تميزا واضحا على أقرانه وما كادت تنقضي سنة ونصف على ولوجه مسجد النخلة حتى كان قد أتم الستين حزبا ورفع درجاته في جنة الرضوان، فجزاء حفظة القرآن درجات تسمو بصاحبها في جنة الخلد بعدد الآيات المحفوظة وشفاعة للأهل.
أنا قارئ للقرآن ولست مقرئا
ولأنه كان حافظا لكتاب الله، شارك عبد الفتاح في عدة مسابقات لتلاوة وحفظ القرآن، والتي كانت تنظمها وزارة الشؤون الدينية في المناسبات الدينية، فأثارت قراءته الخالية من الأخطاء، اهتمام المشرفين على المسابقات، فتم استدعائه لدورة تكوينية، لتلقينه التلاوة على أصولها والتي لا تكتمل دون الإلمام بأحكام التلاوة.
يقول القارئ الشاب وهو يتحدث عن رحلته إلى الحجاز، ''وزارة الشؤون الدينية لها الكثير من الفضل عليّ حتى وصلت إلى ما أنا عليه اليوم، لقد لمسوا فيّ بوادر النجاح، ورشّحوني دون غيري لأمثل الجزائر في مسابقة دولية بالحجاز، بعد أن لقنت أحكام التلاوة، فكنت عند حسن ظنهم بي ولم أخيّب بلدي، لأني ثمرة يانعة من ثمار هذا البلد الطيب، قال تعالى بعد بسم الله الرحمان الرحيم ''والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه'' سورة الأعراف. وصل عبد الفتاح إلى المرحلة النهائية من التعليم الثانوي، ولأنه لم يوفق في اجتياز امتحان البكالوريا بنجاح، اختار التوجه إلى معهد سيدي عقبة لتكوين الإطارات الدينية ببسكرة، ومنه عاد إماما مدرسا، يشرف على تدريس البراعم الشابة آيات الفرقان، ويأمل أن يسير أبناءه الخمسة،ثلاث بنات وولدين، على دربه، ''بل أحب على قلبي أن يتفوقوا عليّ'' يقول حميداتو.
وأنا أسأله عن المقرئ الذي تأثّر به في قراءته، أجابني مباشرة دون تردد وقبل أن أتم كلامي ''إنه المقرئ محمد المحيسني من السعودية، أتصدقين أنني حفظت سورة ''الأنعام'' سماعا فقط لتأثري بسحر تلاوته التي تبعث الخشوع في الأرواح''.
ويتلو عبد الفتاح الذكر الحكيم برواية ورش عن نافع، وهي الرواية المعتمدة في الجزائر والمغرب العربي لقربها من اللهجة المحلية، لكن طموح ابن وادي سوف يتجاوز حدود الرواية الواحدة ''أنا قارئ للقرآن ولست مقرئا.. ما زال أمامي الكثير لأصل إلى هذه الدرجة، حقا أتمنى أن أجد شيخا يلقّنني كل التلاوات المعروفة، وهذا غير متوفر عندنا في الجزائر، لكن أملي كبير في وزارة الشؤون الدينية لتحقق لي هذا الأمل في الجزائر أو خارجها لأعود وأكمّل رسالتي في تحفيظ الذكر الحكيم''.
صوت تلاوة عبد الفتاح يصدح في ''ماينز'' الألمانية
يعكف عبد الفتاح ذو الثلاثة والثلاثين ربيعا، على أداء صلاة التراويح منذ 12 عاما، وقبل أن يصبح إماما مدرّسا، لكن صوته الصادح افتقد في مسجد مدينته السنة الماضية، لغاية أسمى، فقد اختير من قبل وزارة الشؤون الدينية ليؤم صلاة التراويح بمدينة ''ماينز'' الألمانية ''كانت أياما لا تنسى، صحيح أنني أبتعدت عن عائلتي الصغيرة وأطفالي الذين افتقدتهم في رمضان، إلا أن دفء الجالية العربية والمسلمة هناك عوضني عن غربتي القصيرة.. كانوا مغاربة وجزائريين ومصريين ومن شتى الأقطار الإسلامية، تعلقوا بتلاوتي لأن قلبهم متعلق بالإيمان وكلام الله.. كان عددهم يتزايد يوما بعد يوم، وسلّموا لي شهادة تقديرية وأنا أودعهم.. حقا عزّ عليّ فراقهم''.
واليوم وهو المرشح الثاني لنيل لقب ''فارس القرآن''، يتكلم عبد الفتاح بلغة الواثق من نفسه، أنه لم يقدم على خطوة الترشح للمسابقة التي اعتبرها مبادرة غير مسبوقة، إلا لأنه كان يعلم منذ البداية أنه لن يتوقف في المراحل الأولى وبأنه لن يخرج من المسابقة إلا فارسا من فرسان القرآن
نار الغيرة أدخلتني رحاب القرآن
يتلو القرآن بخشوع يلامس شغاف القلب، وهو الذي فتح عينيه في مدينة تتنفس عذب الكلام، ويتردد صدى الذكر الحكيم في زوايا حاراتها العتيقة.. وضع القرآن تاجا على رأسه، فكان له سراجا وهّاجا أنار له طريقه وأرخى عليه سكينة ربانية، فاتخذه هدفا في الحياة.. هو عبد الفتاح حميداتو، فارس من فرسان القرآن..
استوقفناه لنتقاسم وإياه تفاصيل رحلته في حفظ وتلاوة الذكر الحكيم.
لا يمكن أن ننسى الدموع التي انحدرت من مقلتيه مدرارا وهو يرتّل آيات من الفرقان في البرايم الثالث، فخدّر حواس الحضور وأبكتهم نبرات صوته الساحر الباعث على الخشوع في رحاب الله، وليس غريبا هذا عن من ولد في مدينة وادي سوف، مدينة اشتهرت بحفظ القرآن وترتيله.
بجوار المسجد كان الميلاد
ولد عبد الفتاح بكر عائلة تتكون من خمسة ذكور وثلاث بنات، في مدينة الألف قبة وقبة بحي النخلة، قبالة المسجد، بيت الله، في محيط محافظ، تقابلك زاوية أينما وليت وجهك، لكن الفتى اليانع لم يخط خطواته الأولى في حفظ كلام الله مبكرا، فكان على غرار أقرانه في سن الصبا يميل إلى اللهو ومداعبة الكرة بقدميه وقلبه يحدّثه بشوق جياش لترك اللهو جانبا والالتفات إلى المسجد الذي وقعت بجواره شهادة ميلاده ''صحيح أنني لم أتجه لحفظ القرآن في سن مبكرة، إلا أنني كنت أنجدب لجوّ الترتيل، لأنني تربيت في جوّ روحاني كان فيه القرآن القلب النابض'' يقول عبد الفتاح.
الغيرة تدخله
رحاب القرآن
يبتسم وهو يتذكر احتضانه لكتاب الله وخطوته الأولى في حفظه ''قد لا تصدقين إن قلت أنني حفظت كلام الله بدافع الغيرة.. نعم هذا ما حدث، عندي عم يقاربني في السن، وكان بمثابة صديق بالنسبة لي وليس عم فقط، وكان يحفظ عدة أحزاب من القرآن، مما حرّك الغيرة في قلبي وأجّجها، فتساءلت بيني وبين نفسي لماذا يحفظ هو القرآن وأنا لا، هل هو أحسن مني.. ولم أتأخر بعد هذه الحادثة لأحمل اللوحة وأنطلق في الحفظ''.
واتخذ الفتى عبد الفتاح الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه، ربيعا لقلبه وهو في السادسة عشرة من عمره، سن المراهقة وعنوان الفصل بين الطيش والحكمة، وعلى طريقة القدماء أخذ عبد الفتاح في حفظ الكتاب المنزّل.
واتخذ عبد الفتاح مكانا في مسجد النخلة وأمسك اللوحة المعطرة بعبق الصلصال، ليرسم حروفا وكلمات منزّهة عن الخطأ ''لم أحفظ من المصحف كما يفعل الكثيرون، بل كان السماع من الشيخ ''شويرسات عمر'' معلمي، والكتابة على اللوحة الطريقة الفعالة والناجحة لحفظ القرآن''. وبين جدران المسجد العتيق، تفجّرت ملكة الحفظ عند عبد الفتاح وأبدى تميزا واضحا على أقرانه وما كادت تنقضي سنة ونصف على ولوجه مسجد النخلة حتى كان قد أتم الستين حزبا ورفع درجاته في جنة الرضوان، فجزاء حفظة القرآن درجات تسمو بصاحبها في جنة الخلد بعدد الآيات المحفوظة وشفاعة للأهل.
أنا قارئ للقرآن ولست مقرئا
ولأنه كان حافظا لكتاب الله، شارك عبد الفتاح في عدة مسابقات لتلاوة وحفظ القرآن، والتي كانت تنظمها وزارة الشؤون الدينية في المناسبات الدينية، فأثارت قراءته الخالية من الأخطاء، اهتمام المشرفين على المسابقات، فتم استدعائه لدورة تكوينية، لتلقينه التلاوة على أصولها والتي لا تكتمل دون الإلمام بأحكام التلاوة.
يقول القارئ الشاب وهو يتحدث عن رحلته إلى الحجاز، ''وزارة الشؤون الدينية لها الكثير من الفضل عليّ حتى وصلت إلى ما أنا عليه اليوم، لقد لمسوا فيّ بوادر النجاح، ورشّحوني دون غيري لأمثل الجزائر في مسابقة دولية بالحجاز، بعد أن لقنت أحكام التلاوة، فكنت عند حسن ظنهم بي ولم أخيّب بلدي، لأني ثمرة يانعة من ثمار هذا البلد الطيب، قال تعالى بعد بسم الله الرحمان الرحيم ''والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه'' سورة الأعراف. وصل عبد الفتاح إلى المرحلة النهائية من التعليم الثانوي، ولأنه لم يوفق في اجتياز امتحان البكالوريا بنجاح، اختار التوجه إلى معهد سيدي عقبة لتكوين الإطارات الدينية ببسكرة، ومنه عاد إماما مدرسا، يشرف على تدريس البراعم الشابة آيات الفرقان، ويأمل أن يسير أبناءه الخمسة،ثلاث بنات وولدين، على دربه، ''بل أحب على قلبي أن يتفوقوا عليّ'' يقول حميداتو.
وأنا أسأله عن المقرئ الذي تأثّر به في قراءته، أجابني مباشرة دون تردد وقبل أن أتم كلامي ''إنه المقرئ محمد المحيسني من السعودية، أتصدقين أنني حفظت سورة ''الأنعام'' سماعا فقط لتأثري بسحر تلاوته التي تبعث الخشوع في الأرواح''.
ويتلو عبد الفتاح الذكر الحكيم برواية ورش عن نافع، وهي الرواية المعتمدة في الجزائر والمغرب العربي لقربها من اللهجة المحلية، لكن طموح ابن وادي سوف يتجاوز حدود الرواية الواحدة ''أنا قارئ للقرآن ولست مقرئا.. ما زال أمامي الكثير لأصل إلى هذه الدرجة، حقا أتمنى أن أجد شيخا يلقّنني كل التلاوات المعروفة، وهذا غير متوفر عندنا في الجزائر، لكن أملي كبير في وزارة الشؤون الدينية لتحقق لي هذا الأمل في الجزائر أو خارجها لأعود وأكمّل رسالتي في تحفيظ الذكر الحكيم''.
صوت تلاوة عبد الفتاح يصدح في ''ماينز'' الألمانية
يعكف عبد الفتاح ذو الثلاثة والثلاثين ربيعا، على أداء صلاة التراويح منذ 12 عاما، وقبل أن يصبح إماما مدرّسا، لكن صوته الصادح افتقد في مسجد مدينته السنة الماضية، لغاية أسمى، فقد اختير من قبل وزارة الشؤون الدينية ليؤم صلاة التراويح بمدينة ''ماينز'' الألمانية ''كانت أياما لا تنسى، صحيح أنني أبتعدت عن عائلتي الصغيرة وأطفالي الذين افتقدتهم في رمضان، إلا أن دفء الجالية العربية والمسلمة هناك عوضني عن غربتي القصيرة.. كانوا مغاربة وجزائريين ومصريين ومن شتى الأقطار الإسلامية، تعلقوا بتلاوتي لأن قلبهم متعلق بالإيمان وكلام الله.. كان عددهم يتزايد يوما بعد يوم، وسلّموا لي شهادة تقديرية وأنا أودعهم.. حقا عزّ عليّ فراقهم''.
واليوم وهو المرشح الثاني لنيل لقب ''فارس القرآن''، يتكلم عبد الفتاح بلغة الواثق من نفسه، أنه لم يقدم على خطوة الترشح للمسابقة التي اعتبرها مبادرة غير مسبوقة، إلا لأنه كان يعلم منذ البداية أنه لن يتوقف في المراحل الأولى وبأنه لن يخرج من المسابقة إلا فارسا من فرسان القرآن