تعريف الأخلاق
2- الخلق في اللغة الطبع والسجية، وفي اصطلاح العلماء، كما يعرفه الغزالي – عبارة عن هيئة في النفس راسخة، عنها تصدر الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة الى فكر وروية[1].
ويمكننا تعريف الاخلاق بأنها مجموعة من المعاني والصفات المستقرة في النفس وفي ضوئها وميزانها يحسن الفعل في نظر الإنسان أو يقبح، ومن ثم يقدم عليه أو يحجم عنه.
خصائص نظام الأخلاق في الإسلام
6- يتميز نظام الاخلاق في الإسلام بجملة خصائص، منها، تفصيل الأخلاق، وشمولها، ولزومها في الوسيلة والغاية، وارتباطها بمعاني الإيمان والتقوى، ووقوع الجزاء فيها ونبين فيما يلي هذه الخصائص بايجاز:
التعميم والتفصيل في الأخلاق
7- دعا الإسلام إلى الأخلاق الكريمة دعوة عامة، من ذلك ما جاء في القرآن الكريم: ﴿وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن، إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبيناً﴾ والقول بما هو أحسن دعوة عامة للقول الطيب المطلوب بجميع أنواعه في مخاطباتهم ومحاوراتهم. وفي قوله تعالى: ﴿... وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون﴾ دعوة عامة للابتعاد عن رذائل الاخلاق. وفي السنة النبوية من هذه الدعوة العامة الى الأخلاق الشيء الكثير، ومن ذلك: "اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن" والخلق الحسن يجمع أنواع الاخلاق الحسنة. وفي الحديث "ان العبد ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم".
8- ولم يكتف الإسلام بالدعوة العامة الى التحلي بالأخلاق الجيدة والتخلي عن الأخلاق الرديئة وانما فصّل القول في الصنفين فبين أنواع كل صنف، والحكمة في هذا البيان المفصل توضيح معاني الأخلاق تحديدها لئلا يختلف الناس فيها وتتدخل الاهواء في تحديد المراد منها، ومن مظاهر رحمة الله بعبادة أن بين لهم ما يتقون وما يأخذون وما يتركون، ونذكر فيما يلي أمثلة على تفصيل الأخلاق في القرآن والسنة النبوية المطهرة.
أمثلة من القرآن على تفصيل الأخلاق
9- أ) الوفاء بالعهد: ﴿وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً﴾.
ب) النهي عن القول بلا علم ﴿ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً﴾.
جـ) النهي عن مشية التبختر والتمايل كما يفعل المتكبرون، ﴿ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً﴾.
د) النهي عن الاسراف والتبذير والبخل والتقتير ﴿وآت ذا القربي حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً. إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً﴾. ﴿ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً﴾.
هـ) الامر بالعدل في جميع الاحوال وبالنسبة لجميع الناس حتى الكفار ﴿وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى﴾. ﴿ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا. اعدلوا هو أقرب للتقوى﴾.
و) التعاون على البر والتقوى وما ينفع الناس، والنهي عن التعاون على البغي والعدوان ﴿وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان﴾.
ز) الظلم ظلمات يوم القيامة، وعاقبته وخيمة، وهو أنواع، أقبحها افتراء الكذب على الله، وتعدي حدود الله. والظالم مقطوع الصلة بالله فهو مخذول غير منصور، ومن أجل هذا نهى الاسلام عنه ﴿وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون﴾ ﴿ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون﴾ ﴿تلك حدود الله فلا تعتدوها، ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون﴾ ﴿وما للظالمين من أنصار﴾.
ح) الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد، فلا بد للمؤمن من صبر على طاعة الله وصبر على قضاء الله وبهذا يكون من المحسنين، ورحمة الله قريب من المحسنين، ولهذا أمر الاسلام بالصبر ﴿يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون﴾. ﴿واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين﴾. ﴿فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون﴾.
ط) الصدق من علامات الايمان وثمراته، ولهذا أمر الإسلام به ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين﴾. ﴿وقل ربي أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً﴾.
ي) الكذب رذيلة لا ينال صاحبها هداية الله، ويثمر النفاق في القلب ولهذا نهى الإسلام عنه وحذر منه ﴿إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب﴾. ﴿فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون﴾.
ك) التكبر والعجب والبخل والفخر والرياء رذائل وأمراض تصيب القلب فتطمسه وتمحق نوره وتبعد صاحبها عن الله تعالى، ولهذا جاء النهي عنها ﴿ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور﴾. ﴿إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً. الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله واعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً. والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قريناً فساء قريناً﴾.
ل) الاعتدال في المشي بين البطيء والاسراع مطلوب من المسلم، وخفض الصوت وعدم رفعه بلا حاجة مطلوب أيضا من المسلم، ﴿واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الاصوات لصوت الحمير﴾.
م) الثبات على الحق والدوام على الطاعة والعبادة، أمور مطلوبة لأن الأمور بخواتيمها، وبدون الاستقامة والدوام والثبات على الحق تفوت الثمرة ولا يصل المسلم الى الغاية، وينقطع عن ركب الصالحين. ومن أجل هذا وجب على المسلم أن يكون على قدر كبير من الثبات على معاني الايمان والاستقامة عليها لينال الفوز والرضوان ﴿ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون...﴾.
ن) الجنة درا الطيبين، اعدها الله للمتقين الذين من اخلاقهم الحسنة الانفاق في جميع الأحوال في اليسر والعسر فينفقون بقدر ما لهم ولا يبخلون عن الانفاق ولو كان قليلاً، ومن أخلاقهم أنهم لا يستوفون كل حقوقهم من الناس بل يتركون منها لهم احساناً عليهم ﴿وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والطاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين﴾.
س) النهي عن الغل والحقد: ﴿والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم﴾.
ع) علاج الجاهل الإعراض عنه وتركه وشأنه، وبهذا أمر الاسلام ﴿خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين﴾.
ف) ومن وصايا الإسلام الجامعة لعباده المؤمنين، في باب الأخلاق قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون. يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن اثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله ان الله تواب رحيم﴾[2]
ص) ومن الآيات التي جمعت كثيرا من أخلاق المؤمنين، وجعلت هذه الاخلاق علامة على ايمانهم قوله تعالى: ﴿قد افلح المؤمنون. الذين هم في صلاتهم خاشعون. والذين عم عن اللغو معرضون[3]. والذين هم للزكاة فاعلون. والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون[4]. والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون. والذين هم على صلواتهم يحافظون. أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون[5]﴾. وكذلك قوله تعالى: ﴿وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً[6] وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً[7]. والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً. والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراماً[8]. إنها ساءت مستقراً ومقاماً. والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً[9]. والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاماً[10] يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً. إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً. ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متاباً. والذين لا يشهدون الزور[11] وإذا مروا باللغو مروا كراماً[12] والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعمياناً[13]. والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً[14] أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاماً. خالدين فيها حسنت مستقراً ومقاماً[15]﴾.
أمثلة من السنة النبوية على تفصيل الأخلاق
10- أ) في النهي عن الغضب، ان رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني قال: "لا تغضب".
ب) وفي الحياء، وردت أحاديث كثيرة منها: "الحياء لا يأتي الا بخير" "الحياء خير كله" "ان لكل دين خلقا وخلق الاسلام الحياء" "اذا لم تستح فاصنع ما شئت".
جـ) في التعاون، "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".
د) في حقوق المسلم، والنهي عن بعض الأخلاق: "لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض. وكونوا عباد الله اخوانا. المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره، التقوى هاهنا – ويشير الى صدره الشريف ثلاث مرات – بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه".
هـ) النهي عن اخلاق المنافقين "آية المنافق ثلاث اذا حدث كذب واذا وعد أخلف واذا اؤتمن خان" "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: اذا اؤتمن خان واذا حدث كذب، واذا عاهد غدر، واذا خاصم فجر".
و) في الحلم والاناة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاشج عبد القيس "ان فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والاناة".
ز) في الرفق: "ان الله رفيق يحب الرفق في الامر كله".
ح) في الرياء والسمعة والاخلاص: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله". "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله، ومن كانت هجرته الى دنيا يصيبها أوامرأة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه".
ط) في النهي عن المراء والجدل:"من ترك المراء وهو محق بني له بيت في الجنة، ومن ترك المراء وهو مبطل بني له بيت في ربض الجنة". "وما ضل قوم بعد أن هداهم الله الا أوتوا الجدل".
ي) في بذاءة اللسان: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء".
ك) في العجب والشح: "ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع واعجاب كل ذي رأي رأيه".
ل) ترك الكلام فيما لا يعنيك: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".
م) ترك فضول الكلام "طوبى لمن أمسك الفضل من لسانه وأنفق الفَضْلَ من ماله".
ن) وزن الكلمة بميزان الإسلام قبل النطق بها: "ان الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ به ما بلغت فيكتب الله بها رضوانه الى يوم القيامة وأن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ به ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه الى يوم القيامة".
س) في الامانة والوفاء بالعهد: "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له" وسأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم متى تقوم الساعة فقال له: "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة. فقال، وكيف إضاعتها قال اذا وسد الأمر لغير أهله فانتظر الساعة".
ع) في الصدق والكذب "عليكم بالصدق فان الصدق يهدي الى البر وان البر يهدي الى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً،وإياكم والكذب فان الكذب يهدي الى الفجور وان الفجور يهدي الى النار، وما يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً".
ف) في القوة والعزيمة: "المؤمن القوي خير وأحب الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وان أصابك شيء فلا تقل لو اني فعلت كذا لكان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان".
ص) المتابعة في الخير لا في الشر: "لا يكن احدكم امعة، يقول: انا مع الناس ان أحسن الناس أحسنت وان أساؤوا أسأت، ولكن وطنوا أنفسكم إن احسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا أن تتجنبوا إساءتهم".
ش) الحزم واليقظة: "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين".
ض) النهي عن الذل: "لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه...".
ط) في التوادد والتراحم والتعاطف: "مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
ثانياً – شمول الاخلاق
11- ومن خصائص نظام الأخلاق في الإسلام الشمول، ونعني به أن دائرة الأخلاق الإسلامية واسعة جداً فهي تشمل جميع أفعال الإنسان الخاصة بنفسه أو المتعلقة بغيره سواء أكان الغير فرداً أو جماعة أو دولة، فلا يخرج شيء عن دائرة الأخلاق ولزوم مراعاة معاني الأخلاق مما لا نجد له نظيراً في أية شريعة سماوية سابقة ولا في أية شريعة وضعية. ونذكر هنا على سبيل التمثيل فقط مدى مراعاة الاخلاق في علاقات الدولة الإسلامية مع غيرها من الدول ليتبين لنا مدى حرص الإسلام على التمسك بمعاني الأخلاق. ووجه اختيارنا هذه العلاقات هو ما شاع بين الناس، ويؤيده الواقع، ان العلاقات بين الدول لا تقوم على أساس مراعاة الأخلاق، حتى إن أحدهم قال: لا مكان للأخلاق في العلاقات الدولية. ولهذا كان الخداع والتضليل والغدروالكذب من البراعية في السياسة. إن الإسلام يرفض هذا النظر السقيم، ويعتبر ما هو قبيح في علاقات الأفراد قبيحاً أيضاً في علاقات الدول، ويعتبر ما هو مطلوب وجميل في علاقات الأفراد، مطلوباً وجميلاً أيضاً في علاقات الدول، ولهذا كان من المقرر في شرع الإسلام ان على الدولة الاسلامية ان تلتزم بمعاني الاخلاق، وهذا التقرير موجود في القرآن الكريم وفي السنة النبوية المطهرة وفي أقوال الفقهاء، فمن ذلك:
أولاً: قال تعالى: ﴿وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ عليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين﴾. أي إذا ظهرت خيانة من عاهدتهم وثبتت دلائلها، فأعلموهم بنقض عهدهم حتى تستووا معهم في العلم، لأن الله تعالى لا يحب الخائنين ولو كانت الخيانة مع قوم كافرين وكانوا في نقض العهد بادين.
ثانياً: كان من شروط معاهدة الحديبية بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين مشركي قريش، ان من يأت من قريش النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً يرده النبي صلى الله عليه وسلم ولا يؤويه، وبعد الفراغ من كتابة المعاهدة جاء أو جندل من قريش مسلماً معلناً إسلامه يستصرخ المسلمين ان يؤوه ويحموه من قريش، فقال له الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "انا عقدنا بيننا وبين القوم صلحاً وأعطيناهم على ذلك وأعطونا، وانا لا نغدر بهم"[16].
ثالثاً: قال الفقهاء: لا يجوز للمسلم أن يخون أهل دار الحرب إذا دخل ديارهم بأمان منهم، لان خيانتهم غدر ولا يصلح في دين الإسلام الغدر[17].
رابعاً: قال فقهاء الحنابلة: "اذا أطلق الكفار الأسير المسلم واستحلفوه أن يبعث اليهم بفدائه أو يعود اليهم لزمه الوفاء"، قال تعالى: ﴿وأوفوا بعهد الله اذا عاهدتم﴾ ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إنا لا يصلح في ديننا الغدر"[18].
خامساً: اذا كانت دار الحرب تأخذ من رعايا دار الإسلام الداخلين الى اقليمها ضريبة على أموالهم التي معهم بحيث تستأصل هذه الأموال، أو تأخذ من أموالهم القليلة ضريبة كبيرة لا تتناسب مع أموالهم، فان دار الإسلام لا تقابلهم بالمثل، ويعلل الفقهاء قولهم هذا بأن فعل أهل دار الحرب غدر وظلم، فلا نقابلهم بالغدر والظلم، لأننا نهينا عن التخلق بمثل هذه الأخلاق وان تخلقوا هم بها[19].
ثالثاً – لزومها في الوسائل والغايات
12- والخصيصة الثالثة لنظام الأخلاق في الإسلام أن الالتزام بمقتضى الأخلاق مطلوب في الوسائل والغايات، فلا يجوز الوصول الى الغاية الشريفة بالوسيلة الخسيسة. ولهذا لا مكان في مفاهيم الأخلاق الإسلامية للمبدأ الخبيث "الغاية تبرر الوسيلة" وهو مبدأ انحدر إلينا من ديار الكفر. يدل على ذلك، أي على ضرورة مشروعية الوسيلة ومراعاة معاني الأخلاق فيها قوله تعالى: ﴿وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق، والله بما تعملون بصير﴾ فهذه الآية الكريمة توجب على المسلمين نصرة اخوانهم المظلومين قياماً بحق الاخوة في الدين، ولكن اذا كانت نصرتهم تستلزم نقض العهد مع الكفار الظالمين لم تجز النصرة لان وسيلتها الخيانة ونقض العهد، والإسلام يمقت الخيانة ويكره الخائنين.
رابعاً – صلة الأخلاق بالإيمان وتقوى الله
2- الخلق في اللغة الطبع والسجية، وفي اصطلاح العلماء، كما يعرفه الغزالي – عبارة عن هيئة في النفس راسخة، عنها تصدر الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة الى فكر وروية[1].
ويمكننا تعريف الاخلاق بأنها مجموعة من المعاني والصفات المستقرة في النفس وفي ضوئها وميزانها يحسن الفعل في نظر الإنسان أو يقبح، ومن ثم يقدم عليه أو يحجم عنه.
خصائص نظام الأخلاق في الإسلام
6- يتميز نظام الاخلاق في الإسلام بجملة خصائص، منها، تفصيل الأخلاق، وشمولها، ولزومها في الوسيلة والغاية، وارتباطها بمعاني الإيمان والتقوى، ووقوع الجزاء فيها ونبين فيما يلي هذه الخصائص بايجاز:
التعميم والتفصيل في الأخلاق
7- دعا الإسلام إلى الأخلاق الكريمة دعوة عامة، من ذلك ما جاء في القرآن الكريم: ﴿وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن، إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبيناً﴾ والقول بما هو أحسن دعوة عامة للقول الطيب المطلوب بجميع أنواعه في مخاطباتهم ومحاوراتهم. وفي قوله تعالى: ﴿... وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون﴾ دعوة عامة للابتعاد عن رذائل الاخلاق. وفي السنة النبوية من هذه الدعوة العامة الى الأخلاق الشيء الكثير، ومن ذلك: "اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن" والخلق الحسن يجمع أنواع الاخلاق الحسنة. وفي الحديث "ان العبد ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم".
8- ولم يكتف الإسلام بالدعوة العامة الى التحلي بالأخلاق الجيدة والتخلي عن الأخلاق الرديئة وانما فصّل القول في الصنفين فبين أنواع كل صنف، والحكمة في هذا البيان المفصل توضيح معاني الأخلاق تحديدها لئلا يختلف الناس فيها وتتدخل الاهواء في تحديد المراد منها، ومن مظاهر رحمة الله بعبادة أن بين لهم ما يتقون وما يأخذون وما يتركون، ونذكر فيما يلي أمثلة على تفصيل الأخلاق في القرآن والسنة النبوية المطهرة.
أمثلة من القرآن على تفصيل الأخلاق
9- أ) الوفاء بالعهد: ﴿وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً﴾.
ب) النهي عن القول بلا علم ﴿ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً﴾.
جـ) النهي عن مشية التبختر والتمايل كما يفعل المتكبرون، ﴿ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً﴾.
د) النهي عن الاسراف والتبذير والبخل والتقتير ﴿وآت ذا القربي حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً. إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً﴾. ﴿ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً﴾.
هـ) الامر بالعدل في جميع الاحوال وبالنسبة لجميع الناس حتى الكفار ﴿وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى﴾. ﴿ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا. اعدلوا هو أقرب للتقوى﴾.
و) التعاون على البر والتقوى وما ينفع الناس، والنهي عن التعاون على البغي والعدوان ﴿وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان﴾.
ز) الظلم ظلمات يوم القيامة، وعاقبته وخيمة، وهو أنواع، أقبحها افتراء الكذب على الله، وتعدي حدود الله. والظالم مقطوع الصلة بالله فهو مخذول غير منصور، ومن أجل هذا نهى الاسلام عنه ﴿وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون﴾ ﴿ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون﴾ ﴿تلك حدود الله فلا تعتدوها، ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون﴾ ﴿وما للظالمين من أنصار﴾.
ح) الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد، فلا بد للمؤمن من صبر على طاعة الله وصبر على قضاء الله وبهذا يكون من المحسنين، ورحمة الله قريب من المحسنين، ولهذا أمر الاسلام بالصبر ﴿يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون﴾. ﴿واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين﴾. ﴿فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون﴾.
ط) الصدق من علامات الايمان وثمراته، ولهذا أمر الإسلام به ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين﴾. ﴿وقل ربي أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً﴾.
ي) الكذب رذيلة لا ينال صاحبها هداية الله، ويثمر النفاق في القلب ولهذا نهى الإسلام عنه وحذر منه ﴿إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب﴾. ﴿فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون﴾.
ك) التكبر والعجب والبخل والفخر والرياء رذائل وأمراض تصيب القلب فتطمسه وتمحق نوره وتبعد صاحبها عن الله تعالى، ولهذا جاء النهي عنها ﴿ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور﴾. ﴿إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً. الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله واعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً. والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قريناً فساء قريناً﴾.
ل) الاعتدال في المشي بين البطيء والاسراع مطلوب من المسلم، وخفض الصوت وعدم رفعه بلا حاجة مطلوب أيضا من المسلم، ﴿واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الاصوات لصوت الحمير﴾.
م) الثبات على الحق والدوام على الطاعة والعبادة، أمور مطلوبة لأن الأمور بخواتيمها، وبدون الاستقامة والدوام والثبات على الحق تفوت الثمرة ولا يصل المسلم الى الغاية، وينقطع عن ركب الصالحين. ومن أجل هذا وجب على المسلم أن يكون على قدر كبير من الثبات على معاني الايمان والاستقامة عليها لينال الفوز والرضوان ﴿ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون...﴾.
ن) الجنة درا الطيبين، اعدها الله للمتقين الذين من اخلاقهم الحسنة الانفاق في جميع الأحوال في اليسر والعسر فينفقون بقدر ما لهم ولا يبخلون عن الانفاق ولو كان قليلاً، ومن أخلاقهم أنهم لا يستوفون كل حقوقهم من الناس بل يتركون منها لهم احساناً عليهم ﴿وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والطاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين﴾.
س) النهي عن الغل والحقد: ﴿والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم﴾.
ع) علاج الجاهل الإعراض عنه وتركه وشأنه، وبهذا أمر الاسلام ﴿خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين﴾.
ف) ومن وصايا الإسلام الجامعة لعباده المؤمنين، في باب الأخلاق قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون. يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن اثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله ان الله تواب رحيم﴾[2]
ص) ومن الآيات التي جمعت كثيرا من أخلاق المؤمنين، وجعلت هذه الاخلاق علامة على ايمانهم قوله تعالى: ﴿قد افلح المؤمنون. الذين هم في صلاتهم خاشعون. والذين عم عن اللغو معرضون[3]. والذين هم للزكاة فاعلون. والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون[4]. والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون. والذين هم على صلواتهم يحافظون. أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون[5]﴾. وكذلك قوله تعالى: ﴿وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً[6] وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً[7]. والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً. والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراماً[8]. إنها ساءت مستقراً ومقاماً. والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً[9]. والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاماً[10] يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً. إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً. ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متاباً. والذين لا يشهدون الزور[11] وإذا مروا باللغو مروا كراماً[12] والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعمياناً[13]. والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً[14] أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاماً. خالدين فيها حسنت مستقراً ومقاماً[15]﴾.
أمثلة من السنة النبوية على تفصيل الأخلاق
10- أ) في النهي عن الغضب، ان رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني قال: "لا تغضب".
ب) وفي الحياء، وردت أحاديث كثيرة منها: "الحياء لا يأتي الا بخير" "الحياء خير كله" "ان لكل دين خلقا وخلق الاسلام الحياء" "اذا لم تستح فاصنع ما شئت".
جـ) في التعاون، "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".
د) في حقوق المسلم، والنهي عن بعض الأخلاق: "لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض. وكونوا عباد الله اخوانا. المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره، التقوى هاهنا – ويشير الى صدره الشريف ثلاث مرات – بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه".
هـ) النهي عن اخلاق المنافقين "آية المنافق ثلاث اذا حدث كذب واذا وعد أخلف واذا اؤتمن خان" "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: اذا اؤتمن خان واذا حدث كذب، واذا عاهد غدر، واذا خاصم فجر".
و) في الحلم والاناة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاشج عبد القيس "ان فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والاناة".
ز) في الرفق: "ان الله رفيق يحب الرفق في الامر كله".
ح) في الرياء والسمعة والاخلاص: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله". "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله، ومن كانت هجرته الى دنيا يصيبها أوامرأة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه".
ط) في النهي عن المراء والجدل:"من ترك المراء وهو محق بني له بيت في الجنة، ومن ترك المراء وهو مبطل بني له بيت في ربض الجنة". "وما ضل قوم بعد أن هداهم الله الا أوتوا الجدل".
ي) في بذاءة اللسان: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء".
ك) في العجب والشح: "ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع واعجاب كل ذي رأي رأيه".
ل) ترك الكلام فيما لا يعنيك: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".
م) ترك فضول الكلام "طوبى لمن أمسك الفضل من لسانه وأنفق الفَضْلَ من ماله".
ن) وزن الكلمة بميزان الإسلام قبل النطق بها: "ان الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ به ما بلغت فيكتب الله بها رضوانه الى يوم القيامة وأن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ به ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه الى يوم القيامة".
س) في الامانة والوفاء بالعهد: "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له" وسأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم متى تقوم الساعة فقال له: "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة. فقال، وكيف إضاعتها قال اذا وسد الأمر لغير أهله فانتظر الساعة".
ع) في الصدق والكذب "عليكم بالصدق فان الصدق يهدي الى البر وان البر يهدي الى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً،وإياكم والكذب فان الكذب يهدي الى الفجور وان الفجور يهدي الى النار، وما يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً".
ف) في القوة والعزيمة: "المؤمن القوي خير وأحب الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وان أصابك شيء فلا تقل لو اني فعلت كذا لكان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان".
ص) المتابعة في الخير لا في الشر: "لا يكن احدكم امعة، يقول: انا مع الناس ان أحسن الناس أحسنت وان أساؤوا أسأت، ولكن وطنوا أنفسكم إن احسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا أن تتجنبوا إساءتهم".
ش) الحزم واليقظة: "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين".
ض) النهي عن الذل: "لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه...".
ط) في التوادد والتراحم والتعاطف: "مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
ثانياً – شمول الاخلاق
11- ومن خصائص نظام الأخلاق في الإسلام الشمول، ونعني به أن دائرة الأخلاق الإسلامية واسعة جداً فهي تشمل جميع أفعال الإنسان الخاصة بنفسه أو المتعلقة بغيره سواء أكان الغير فرداً أو جماعة أو دولة، فلا يخرج شيء عن دائرة الأخلاق ولزوم مراعاة معاني الأخلاق مما لا نجد له نظيراً في أية شريعة سماوية سابقة ولا في أية شريعة وضعية. ونذكر هنا على سبيل التمثيل فقط مدى مراعاة الاخلاق في علاقات الدولة الإسلامية مع غيرها من الدول ليتبين لنا مدى حرص الإسلام على التمسك بمعاني الأخلاق. ووجه اختيارنا هذه العلاقات هو ما شاع بين الناس، ويؤيده الواقع، ان العلاقات بين الدول لا تقوم على أساس مراعاة الأخلاق، حتى إن أحدهم قال: لا مكان للأخلاق في العلاقات الدولية. ولهذا كان الخداع والتضليل والغدروالكذب من البراعية في السياسة. إن الإسلام يرفض هذا النظر السقيم، ويعتبر ما هو قبيح في علاقات الأفراد قبيحاً أيضاً في علاقات الدول، ويعتبر ما هو مطلوب وجميل في علاقات الأفراد، مطلوباً وجميلاً أيضاً في علاقات الدول، ولهذا كان من المقرر في شرع الإسلام ان على الدولة الاسلامية ان تلتزم بمعاني الاخلاق، وهذا التقرير موجود في القرآن الكريم وفي السنة النبوية المطهرة وفي أقوال الفقهاء، فمن ذلك:
أولاً: قال تعالى: ﴿وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ عليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين﴾. أي إذا ظهرت خيانة من عاهدتهم وثبتت دلائلها، فأعلموهم بنقض عهدهم حتى تستووا معهم في العلم، لأن الله تعالى لا يحب الخائنين ولو كانت الخيانة مع قوم كافرين وكانوا في نقض العهد بادين.
ثانياً: كان من شروط معاهدة الحديبية بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين مشركي قريش، ان من يأت من قريش النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً يرده النبي صلى الله عليه وسلم ولا يؤويه، وبعد الفراغ من كتابة المعاهدة جاء أو جندل من قريش مسلماً معلناً إسلامه يستصرخ المسلمين ان يؤوه ويحموه من قريش، فقال له الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "انا عقدنا بيننا وبين القوم صلحاً وأعطيناهم على ذلك وأعطونا، وانا لا نغدر بهم"[16].
ثالثاً: قال الفقهاء: لا يجوز للمسلم أن يخون أهل دار الحرب إذا دخل ديارهم بأمان منهم، لان خيانتهم غدر ولا يصلح في دين الإسلام الغدر[17].
رابعاً: قال فقهاء الحنابلة: "اذا أطلق الكفار الأسير المسلم واستحلفوه أن يبعث اليهم بفدائه أو يعود اليهم لزمه الوفاء"، قال تعالى: ﴿وأوفوا بعهد الله اذا عاهدتم﴾ ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إنا لا يصلح في ديننا الغدر"[18].
خامساً: اذا كانت دار الحرب تأخذ من رعايا دار الإسلام الداخلين الى اقليمها ضريبة على أموالهم التي معهم بحيث تستأصل هذه الأموال، أو تأخذ من أموالهم القليلة ضريبة كبيرة لا تتناسب مع أموالهم، فان دار الإسلام لا تقابلهم بالمثل، ويعلل الفقهاء قولهم هذا بأن فعل أهل دار الحرب غدر وظلم، فلا نقابلهم بالغدر والظلم، لأننا نهينا عن التخلق بمثل هذه الأخلاق وان تخلقوا هم بها[19].
ثالثاً – لزومها في الوسائل والغايات
12- والخصيصة الثالثة لنظام الأخلاق في الإسلام أن الالتزام بمقتضى الأخلاق مطلوب في الوسائل والغايات، فلا يجوز الوصول الى الغاية الشريفة بالوسيلة الخسيسة. ولهذا لا مكان في مفاهيم الأخلاق الإسلامية للمبدأ الخبيث "الغاية تبرر الوسيلة" وهو مبدأ انحدر إلينا من ديار الكفر. يدل على ذلك، أي على ضرورة مشروعية الوسيلة ومراعاة معاني الأخلاق فيها قوله تعالى: ﴿وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق، والله بما تعملون بصير﴾ فهذه الآية الكريمة توجب على المسلمين نصرة اخوانهم المظلومين قياماً بحق الاخوة في الدين، ولكن اذا كانت نصرتهم تستلزم نقض العهد مع الكفار الظالمين لم تجز النصرة لان وسيلتها الخيانة ونقض العهد، والإسلام يمقت الخيانة ويكره الخائنين.
رابعاً – صلة الأخلاق بالإيمان وتقوى الله